أعيش في تلك الغابة! 5


أعيش في تلك الغابة!

بقلم: محمد ابراهيم ،

كنت على السفينة السياحية (فايكنج كروز)  المبحرة من أراضي  السويد في  إستوكهولم ‏الى هليسنكي في  فنلندا ، وعلى  بحر البلطيق الهائج أنطلقت السفينة فصعدت الى سطحها مع أصدقائي لملامسة  المناظر الخلابة  ‏لأرخبيل السويد الجميل التقطنا صورة وأسميناها  “وثبة الحرية ” لكن ما لبثت أن غابت شمس الأراضي الشمالية البهية ، ‏وتسارعت الرياح الباردة العتية ،  فقررنا العودة  الى غرفنا ، وفجاة أحاول البحث جاهدا على  مفتاح غرفتي الزمهرية وقد  كان المفتاح بطاقة ذهبية  ، كما أنه أيضا بطاقة العودة الى السفينة الإسطورية ،  فبدونه لا ‏تفتح الأبواب  الأوتوماتيكية ، وقلت ربما طارت البطاقة ‏مع تلك الرياح الشمالية على سطح السفينة السياحية ,،فذهبت الى الإستقبال  وقلت :

‏لقد أضعت بطاقتي ‏فما العمل سيدتي الغربية؟

رد الموظفة الزهية:  يجب أن تدفع ثمن بطاقة جديدة ٥٠ كرونة ، ولكن عد في الصباح فالنظام ‏الآلي متوقف الآن.

عدت الى غرفتي ‏مع أصدقائي فقالوا لي لو وجدها سويديا لأعادها إليك فلا تقلق ، جاء الصباح  و‏أعددت النقود ‏ لأدفع بها ثمن بطاقة دخول جديدة من أبواب فنلندا القرمزية ، فقالت لي الموظفة:” ما إسمك ؟” ‏فرددت :”محمد ابراهيم” ، فقالت :  ‏”قد وجدت بطاقتك على ظهر السفينة وأعادها شخص ماه شكرا لك سيدي ” فحمدت الله وقلت يلا أمانة هؤلاء القوم.

هذه قصة حقيقية حصلت لي  في  الغرب وهناك الكثير من القصص التي شهدتها بنفسي على أمانة الناس هناك ، تلك الأمانة التي نفتقدها في أوطاننا العربية والإسلامية ، تلك الأمانة التي نتحدث عنها على الورق فقط ,،  نعم قد ضاعت الأمانة عندنا إلا من رحم ربي ، عدت لأرض الوطن فا فوجئت بإجهاد وضغط  كبير وتحذيرات أكبر ، وتوصية أمي الشهيرة  بلهجتها المحلية “إنتبه يخدعوك” ” ، إنتبه سعر هذا الشئ كذا وليس كذا لا تخليهم يخدعوك” ، فأحسست أني في غابة ،  وأن الجميع متربص لتلك  الفرصة السانحة لخداعي  إن غفلت عيناي لحظة ، نعم في  البيع والشراء يجب أن تكون ذكيا جدا في وطني   ، إن كنت لا تعرف الأسعارالحقيقية للأشياء فحتما سيخدعك صاحب البِقالة ، وسيخدعك صاحب السيارة الأجرة , وهكذا ستعيش إستعدادا رهيبا خوفا من الخديعة وضياع الأمانة ، لقد أحسست بذلك الضغط الشديد الذي نسيته في الغرب ، إجهاد أن تكون مخادعا كفاية لتعيش وتعتاش ، فأن كان كبير القوم مخادعا فماذا عن رعيتة!.

ولعلي أذكر أفضل القصص التي شهدتها بنفسي عن الأمانة في الغربة ، يوما ماه  جاءت فتاة ماليزية من أصول صينية للعمل في السويد وذات يوم نسيت الفتاة حقيبتها في مترو الأنفاق السويدي ،  و التي فيها كل ما تملك بطاقات الإئتمان السويدة والماليزية ، جواز سفرها وكل نقودها السائلة وحتى هاتفها الجوال ، جاءت  الفتاة تبكي وتذرف الدموع على فقدان تلك الحقيبة ، شعرنا بالحزن وتسائلنا ما يمكننا فعله ! ،  فأقترح صديق سويدي وقال: “اذهبي الى أمانات المترو لعلهم يأتوك بخبر يقين” ،  مر يومان  وفقدت الفتاة الأمل في تلك الحقيبة وذات نهار جائها إتصل هاتفي: “تعالي الى الأمانات فقد وجدت حقيبتك من فاعل خير” !.

وهناك  قصة أروع  أحب أن أحكيها حيث سافر أحد الزملاء الى ايطاليا لقضاء العطلة  وقد كان يدرس في المانيا وهناك فقد محفظتة أيضا وفيها كل ما يملك فوجدها أحد الألمان في ايطاليا تعرف الى أسم البنك الألماني على بطاقة الإئتمان وإتصل بالبنك ، وقام البنك بارفق رقم  هاتف زميلي  الجوال وهكذا إتصل به و أشار إليه الى مكان للقاء وأودعه أمانتة ، فبهت ذلك الزميل وجاء ليروي لنا جمال تلك الأخلاق والرقي والأمانة.

وفي الأخير لعلي أروي حادثة عن أخلاقنا وأمانتنا  المفقودة نحن العرب ونحن المسلمون ، قد كنت في حديقة ماليزية وبينما ههمت لشراء بعض الحاجات من بقالة الحديقة وضعت هاتفي على المنضدة ونسيته ، ثم جلست  على الطاولة مُتأملا جمال الطبيعية وحينها أدركت أن هاتفي قد فقد  فاسرعت الى المنضدة فلم أجده ولعلي لمحت بعض الأجانب الألمان يشترون من البقالة نفسها فسألت الموظف في البقالة  “هل شاهدت هاتفا هنا”  قال: “لا” ، قلت: “تأكد إسأل زوجتك فقد كانت هنا أيضا ، ربما لمحته في مكان ماه”  ، لكنهم أصّروا أنهم لم يروا  أي هاتف ، بحثت جاهدا دون أمل فاستسلمت للواقع ، فجاة رأيت السائحان الألمان يجلسون بعيدا قليلا منى في الحديقة وقلت لعلهم شاهدوا شئ ،  حييتهم وقلت هل وجد أحدكم هاتفا هناك رد الشاب: “نعم!” ، قد كان على المنضدة فسالت المرأة إن كان هذا هاتفها فردت بالإيجاب فاعطيتها إياه”،  فقلت : “لكنها تقول  أنها لم تشاهد أي هاتف” ،  نهض الشاب  بغضب “أيعقل هذا ؟! ،  قد مددت يدي إليها بالهاتف” ،  ثم وصف لي نوع  هاتفي وشكله  تماما وأضاف : ” تعال ” أخذني للمرأة وقال: “قد أعطيتك هاتفا وقلتي أنه لكي فلما تكذبين الآن سأتصل بالشرطة” ، مسكين الألماني ظن أنه في المانيا والشرطة ستساعدة ، لكن المرأة خافت وفجأة تعذرت بالذهاب الى غرفتها فلحقتها فناولتني الهاتف وقالت :”أرجوك أذهب بعيدا نظرت للألماني وتلك المرأة بشفقة  وقلت في نفسي :  هذا هو الفرق بيننا وبينهم ! .

كيف لنا  أن نرتقي بأوطاننا الإسلامية والعربية ، وأين نخفي وجهنا بقولنا الإسلام علمنا الإمانة ، لعلنا نرتقي يوما ونؤدي الأمانات الى أهلها ، لعلهم يذكرون قصصنا يوما بأننا أصاحب خُلق وأمانة على أنفسنا أولاً ثم على الآخرين والسلام.   ‏

دمتم بود ،

 

 

 

 


محمد ابراهيم

عن محمد ابراهيم

مدوّن عربيّ يمنيّ الأصل، حاصل على الماجستير في إدارة المشاريع الدّولية - فرنسا. عمل في السّويد، وسافر إلى كثيرٍ من الدّول الأوروبيّة والآسيوية بغرضِ الزّياره ودراسة أسباب نهضة المجتمعات وتقدّمها ،مهتم أيضًا بالدّيانات وتأثيرها على المجتمعات سلبًا وإيجابًا وحقوق الإنسان العربيّ. أٌحبُّ صِناعة الأفلام الوثائقيّة, الموسيقى، الكرتون، والتّصوير الفوتوغرافي .أحلم بمجتمعٍ حرّ يعيش الحرّية، يصنع ,ينتج ويمتلك أفكاره دون تقيّد أو شروط .


Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 thoughts on “أعيش في تلك الغابة!

  • nada

    وكمان في امانه في مجتمعنا ولم تختفي منها موجودة والدليل حادثة حدث خلال الايام الفائتة تاجر اضاع حقيبة بها 21 مليون ريال يمني و6000 $ على ما اعتقد ووجدها شاب في مقتبل العمر واعادها اليه ولم يستلم اي شئ مقابل ردها …وضيعت تلفوني بالمول وبعد ساعة اواثنين رجعت للمكان اللي شكيت طرحته فيبه وعامل النظافة حصل التلفون ورد لي بعد ماوصفت شكل التلفون يعني في امانه وجد زميلتنا وجد حقيبة فيبها مئات والالاف الدولارات لشخص اجنبي في شركة بترول في المصافي ورجعها كما هي بعد ماعرف ان شخص ضيع حقيبته وسال عنها

    وكمان اشتي ايميلك يا محمد في حاجة اشتي مساعدتك فيبها اذا امكانك ذلك
    شاكرة لك

    • محمد ابراهيم
      ebrahimsharaf الكاتب

      نعم قد ذكرت الا من رحم ربي هذا لا ينفي الامانة في اصحاب القلوب الطيبة لكنهم قلة والسيئة تعم فالحكم على مجتمع ماه لا يكون بحالة واحدة فقط انما لتكرار نفس الحالة وشيوعها حتى تصبح عادية

    • محمد ابراهيم
      محمد ابراهيم الكاتب

      نعم الا قليل ، لاننا ندعي الحب ونحن اكثر من يبغض وندعي الأمانة ونحن من اكثر الدول فسادا وهكذا

    • محمد ابراهيم
      محمد ابراهيم الكاتب

      اما عن الملف الذي قلت اني سارسلة لكي فلم اجدة في كمبيوتري المشحون حاولت دون نجاح